الكتابة مابين المتعة والعذاب
أن يكون المرء كاتباً أمرٌ ممتع ، بل رائع ، أن يتكمن من إختلاق عوالم وأشخاص من العدم ، يعيش في هذا العالم بقوانينه ، فإن شاء جعل البحار تموج في السماء ، والغيوم معلقة في جذوع الأشجار . يتخيل ، يبتكر ، يؤلف ، من دون أن يقيد الواقع مخيلته . لكن هل تكون الكتابة هكذا على الدوام ؟ ، سلهة ، ممتعة ، متدفقة ؟ .
مخاض الكتابة
يجلس الكتاب أمام شاشته لدقائق ورُبما لساعات في محاولة منه لإمساك طرف تلك الفكرة التي كانت تحوم في مخيلته طوال النهار ، لكنه حينما يقدم على كتابتها تتلاشى . وهُنا يبدأ المخاض ، مخاض يستمر لساعات ، أيام ، ورُبما أسابيع قبل أن تولد الفكرة . يظن البعض بأن الكتابة سهلة كشرب الماء ، لِذا يسأل الكثير بإستغراب "لم تنهي نصك حتى الان ! ، لِم أخذت كل هذا الوقت ؟ " وهُنا مهما قال ومهما شرح ذلك الكاتب المسكين ، لن يستوعب ذلك القارئ العجول كيف هو حال الكتابة ، فالذي لم يعيش الشيء لن يفهمه . وبينما أكتب الان تذكرت رواية للروائي الفرنسي غيوم ميسو " فتاة من ورق" وضح فيها ما يعيشه الكاتب في رحلته مع الكتابة في إطار مشوق وممتع ، أنصح بقراءتها عزيزي القارئ .
شكوك الكاتب
في أول تدونة نشرتها ، صرخ صوت خائف مرتجف من أعماقي ، قائلاً "إمسحيه الان ، لأن لا أحد سيقرأ هذا الهراء الذي كتبتيه " ولم تكن تلك المرة الأولى التي يصرخ فيها هذا الصوت في وجهي ، فمع كل نص أكتبه أسمعه يصرخ ، وكان علي في مرة أن أتجاهله ، وألا اعيره اي إنتباه ، لأن في كل مرة كنت أُدرك أن هذا الخوف لا يمت للواقع بِصلة ، وان هذه مُجرد شكوك لا أكثر ، شكوك يعاني منها مُعظم الكُتاب إن لم يكن كلهم ، تلك الشكوك التي تجعل اصابعنا ترتجف فوق لوحة المفاتيح ، وتجعلنا نعيد كتابة السطر مراراً وتكراراً قبل أن نمسحه بالكامل . معرفتي بأن هذه الشكوك تراود مُعظم الكتاب أزاح عن قلبي الكثير ، فبدل أن أجلد نفسي لأنني لا أنشر نصوصي لإعتقادي بأنها سيئة ، أصبحت أنشرها بالرغم من ذلك ، لأن هذا ما على الكاتب أن يفعله .
أن تظن أنك فاشل لكنك تستمر بالكتابة
قالت إليزابيث جيلبرت في مقالة قرأتها لها "لم أعد العالم بأن أكتب ببراعة ، بل وعدت العالم بأن أكتب وحسب" عن نفسي لم أعد العالم بأي شيء لكنني وعدت نفسي بالكثير ورُبما هذا ما يثقل كاهلي أثناء الكتابة تلك الوعود على أكتافي تبطئ حركة أصابعي فوق لوحة المفاتيح ، لكنها أيضاً هي ما أوصلتني لهذه الحظة . رهاب الكتابة لا أظنه سيزول يوماً لكنني واثقة من أنني سأعتاد عليه ، ففي النهاية على الكاتب أن يكتب حتى وإن كانت أصابعه ترتجف ، كما ترتجف أصابعي الان .



تعليقات
إرسال تعليق